يقول سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله- في جوابه على سؤال وجّه إليه في حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، ما نصه:
"التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فيه تفصيل، فإن كان ذلك باتباعه ومحبته
وطاعة أوامره وترك نواهية والإخلاص لله في العبادة فهذا هو الإسلام وهو دين
الله الذي بعث به أنبياءه، وهو الواجب على كل مكلف.. وهو الوسيلة للسعادة
في الدنيا والآخرة، أما التوسل بدعائه والاستغاثة به وطلبه النصر على
الأعداء والشفاء للمرضى - فهذا هو الشرك الأكبر وهو دين أبي جهل وأشباهه من
عبدة الأوثان، وهكذا فعل ذلك مع غيره من الأنبياء والأولياء أو الجن أو
الملائكة أو الأشجار أو الأحجار أو الأصنام. وهناك نوع ثالث يسمى التوسل
وهو التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم أو بحقه أو بذاته مثل أن يقول
الإنسان: أسألك يا الله بنبيك أو جاه نبيك أو حق نبيك أو جاه الأنبياء أو
حق الأنبياء أو جاه الأولياء أو الصالحين وأمثال ذلك فهذا بدعة ومن وسائل
الشرك ولا يجوز فعله معه صلى الله عليه وسلم ولا مع غيره؛ لأن الله سبحانه
وتعالى لم يشرع ذلك، والعبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما دل عليه الشرع
المطهر، وأما توسل الأعمى به في حياته صلى الله عليه وسلم فهو توسل به صلى
الله عليه وسلم ليدعو له ويشفع له إلى الله في إعادة بصره إليه، وليس
توسلاً بالذات أو الجاه أو الحق كما يعلم ذلك من سياق الحديث وكما أوضح ذلك
علماء السنة في شرح الحديث.
وقد بسط الكلام في ذلك شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في كتبه
الكثيرة المفيدة، ومنها كتابه المسمى: (القاعدة الجليلة في التوسل
والوسيلة) وهو كتاب مفيد جدير بالاطلاع عليه والاستفادة منه.
وهذا حكم جائز مع غيره صلى الله عليه وسلم من الأحياء كأن تقول لأخيك أو
أبيك أو من تظن فيه الخير: ادع الله لي أن يشفيني من مرضي أو يرد عليّ بصري
أو يرزقني الذرية الصالحة أو نحو ذلك بإجماع أهل العلم. والله ولي
التوفيق".
وقال الشيخ ابن عثيمين في جوابه على سؤال وجّه إليه:
"واعلم أن المقصود بالزيارة أمران:
أحدهما: انتفاع الزائر بتذكر الآخرة والاعتبار والاتعاظ، فإن هؤلاء القوم
الذين هم الآن في بطن الأرض، كانوا بالأمس على ظهرها، وسيجري لهذا الزائر
ما جرى لهم، فيعتبر ويغتنم الأوقات والفرص، ويعمل لهذا اليوم الذي سيكون في
هذا المثوى الذي كان عليه هؤلاء.وثانيهما: الدعاء لأهل القبور بما كان
الرسول، صلى الله عليه وسلم يدعو به من السلام وسؤال الرحمة، وأما أن يسأل
الأموات ويتوسل بهم فإن هذا محرم ومن الشرك؛ ولا فرق في هذا بين قبر النبي،
صلى الله عليه وسلم وقبر غيره، فإنه لا يجوز أن يتوسل أحد بقبر النبي عليه
الصلاة والسلام، أو بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، فإن هذا من الشرك
لأنه لو كان هذا حقاً لكان أسبق الناس إليه الصحابة- رضي الله عنهم- ومع
ذلك فإنهم لا يتوسلون به بعد موته فقد استسقى عمر- رضي الله عنه- ذات يوم
فقال: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا
فاسقنا) ثم قام العباس- رضي الله عنه- فدعا ، وهذا دليل على أنه لا يتوسل
بالميت مهما كانت درجته ومنزلته عند الله - تعالى- وإنما يتوسل بدعاء الحي
الذي ترجى إجابة دعوته؛ لصلاحه واستقامته في دين الله - عزّ وجلّ- فإذا كان
الرجل ممن عرف بالدين والاستقامة وتوسل بدعائه، فإن هذا لا بأس به كما فعل
أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه-، وأما الأموات فلا يتوسل بهم أبداً،
ودعاؤهم شرك أكبر مخرج من الملة، قال الله - تعالى-: {وَقَالَ رَبُّكُمُ
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ
عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]
وقال أيضاً:
"أما التوسل الممنوع فهو أن يتوسل الإنسان بالمخلوق، فإن هذا لا يجوز،
فالتوسل بالمخلوق حرام، يعني لا بدعائه ولكن بذاته، مثل أن تقول (اللهم إني
أسألك بمحمد صلى الله عليه وسلم كذا وكذا) فإن هذا لا يجوز، وكذلك لو سألت
بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لا يجوز، لأن هذا المسبب لم يجعله
الله ورسوله سبباً".
هذا، وقد وجهت إلى اللجنة الدائمة أسئلة في هذا الموضوع ومما أجابت اللجنة عليها:
"التوسل إلى الله في الدعاء بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم أو ذاته أو
منزلته غير مشروع لأنه ذريعة إلى الشرك، فكان البحث فيه لبيان ما هو الحق
من مباحث العقيدة، وأما التوسل إلى الله بأسمائه جل شأنه وبصفاته وباتباع
رسوله والعمل بما جاء به من عقيدة وأحكام فهذا مشروع. وبالله التوفيق وصلى
الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم".
"أولاً: التوسل على الله ببركة القرآن مشروع وليس شركاً.
ثانياً: التوسل ببركة بعض المخلوقين مثل النبي صلى الله عليه وسلم من البدع
المنكرة، لأن التوسل من العبادات التوقيفية ولم يثبت في الشرع المطهر ما
يدل على جوازه في المخلوقين أو حقهم أو جاههم أو بركتهم، وقد صح عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) .