بلاغة عمرو بن العاص فى وصفه لمصر ونيلها
لصاحب
الفضيلة الأستاذ الامام السيد محمد عبد الحى الكتانى الحسنى كبير علما
المغرب الأقصى من مجلة الأسلام عام 1936 للنسابة حسن قاسم محرر التاريخ
بالمجلة
المقدمة : طلب
أمير المؤمنين ( عمر بن الخطاب ) من عمرو بن العاص أن يبعث له تقرير عن وصف
مصر وجغرافيتها ونيلها وإلى ذلك شأن الفاتحين ، فأرسل له هذا الكتاب وصفا
لمصر - وهذا الوصف دالة على عمرو يبدو فيها شاعرا معسول القول وحاكما عظيم
الكياسة وهو فى نثر مجموع محكم وفيه تتجلى مواهب عمرو فى العلوم الكونية من
هندسة وصفية وإقليمية وجغرافية وسياسية وزراعة وإقتصاد ورى وفلك
وطبوغرافيا وجغرافيا اضافة الى ذلك الأدب والبلاغة والبيان وحسن التصوير
وقوة الوصف ومتانة التعبير مما جعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حين أستلم
هذا الكتاب يقول فى ملأ مشهو ( لله درك يا ابن العاص لقد وصفت لى خبرا كأنى أشاهده ) فما أصدقك يا أمير المؤمنين وما أبلغك . أعلمك يا ابن العاص - فلله درك ثم درك.
حسن قاسم
الموضوع :
إن عمرو بن العاص لما فتح مصر أرسل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كتابا
يصف له فيه مصر وشرح السياسة التى سيتخذها فيها ونصه ( مصر تربة عبراء (
سهلة الأنبات ) وشجرة خضراء ( كثير الشجر الأخضر ) طوله شهر وعرضها عشر (
لعله يريد أن الماشى يقطعها طولا فى شهر وعرضها فى عشرة أيام ) يكتنفها جبل
أغبر ( يحيط بها جبل ضارب الى السواد ) ورمل أغفر ( أبيض مائل الى الحمرة
أو الصفرة ) يخط وسطها نهر ميمون الغدوات مبارك الروحات ( محمود الذهاب
والأياب ) يجرى بالزيادة والنقصان كجرى الشمس والقمر له أوان ( يزيد وينقص
فى أزمنة معينة ) تظهر به عيون الأرض وينابيعا حتى إذا عج عجيجه ( عظم مائه
) وتعظمت أمواجه ( انقطعت وتسربت فى الأرض ) لم يكن وصول بعض أهل القرى
إلى بعض إلا فى جفاف القوارب وصغار المراكب قاذا تكامل فى زيادة نكص ( رجع
وذهب ) على عقبه كأول ما بدا فى شدته وطمى فى حدته ( ونقص فى سدة كما زاد
بقوة ) فعند ذلك يخرج القوم ليحرثوا بطون أوديته وروابيه ( أعالى الأرض
وأسافلها ) يبذرون الحب ويرجون الثمار من الرب حتى إذا أشرق وأشرف ( ظهر
وبان ) سقاه من فوقه الندى وغذاء من تحته الثرى فعند ذلك يدر حلابه
ويغنىذبابه ( يعظم محصوله ) فينما هى يا أمير المؤمنين درة بيضاء إذا هى
عنبرة سوداء واذا هى زبرجدة خضراء فتعالى الله الفعال لما يشاء ، الذى يصلح
هذه البلاد وينميها ويقر قاطها ، أن لا يقبل قول خسيسها فى رئيسها ، أن لا
يستأدى خراج ثمرة إلا فى أوانها وأن يصرف ثلث ارتفاعها فى عمل حسورها
وترعها فهذا تقرر الحال مع العمال فى هذه الأحوال تضاعف ارتفاع المال والله
تعالى يوفق فى المبتدا والمآل - قال أبو المحاسن فى النجوم الزاهرة فى
ملوك مصر القاهرة - فلما ورد هذا الكتاب على عمر بن الخطاب قال لله درك يا
ابن العاص لقد وصفت لى خبرا كأنى أشاهده .
وقد ترجم هذا
التقرير ونشره إلى عدة لغات أجنبية الكاتب الفرنســـوى الشهير أكتاف أوزان
فى جريدة الفيجاور الفرنسية ووصفه بقوله إنه من أكبر آيات البلاغة فى كل
لغات العالم وقال عنه إنه من الفرائد فى إيجازه وإعجازه واقتراح وجوب
تدريسه فى جميع مدارس المعمورة حتى يتعلموا منه قوة الوصف ومتانة التعبير ،
صحة الحكم على الاشياء وكيفية تنظيم الممالك وسياسة الاستعمار
وقد ترجم هذا الوصف من مؤرخى الانجليز المؤرخ جبون والدكتور بطلر .