بسم الله الرحمن الرحيم
بيان بشأن ظاهرة الفتاوى الشاذة
وخطورتها على المجتمع والواجب تجاهها
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
فإن مما هو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن الذب عن حمى الشرع المطهر
والذود عن حياضه من أعظم الواجبات وأجلِّ فروض الكفايات؛ إذ لو تُرك مَنْ
شاء أن يقول ما شاء، من غير نكير يكشف زيف باطله ويبدد سراب جهله وزيغه؛
لخبا نور النبوة، واضمحلت الديانة، وفشت الجهالة، وانطمست معالم الحق...
وهذا ما لن يكون أبدًا - بفضل الله ورحمته -؛ فالدين محفوظ؛ قال تعالى:
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجز: 9]
وحَمَلة الحق وحراس الشريعة متوافرون إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها،
يصدعون بالحق، ويبددون سراب الجهل والباطل، قال صلى الله عليه وسلم:
«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ، لَا
يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ
اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
وَالشَّيْخَانِ
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا الدين لا يُنسخ أبدا، لكن يكون فيه مَنْ
يُدخل من التحريف والتبديل والكذب والكتمان ما يلبس به الحق بالباطل، ولا
بد أن يقيم الله فيه من تقوم به الحجة خلفا عن الرسل؛ فينفون عنه تحريف
الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين؛ فيحق الله الحق ويبطل الباطل
ولو كره المشركون". [مجموع الفتاوى 11/435].
فليفرح المؤمنون، ولتطمئن قلوبهم، وليستفرغوا وسعهم في بيان الحق والنصح
للخلق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في ذلك :
{إِنَّ اللهَ مَعَ الذِينَ اتَّقَوا وَالذِينَ هُمْ مُحْسِنُون}[النحل: 128].
وإنَّ الباعث على هذا البيان والتوضيح ما تفشَّى في الآونة الأخيرة في بلاد
الحرمَيْن (المملكة العربية السعودية) - حرسها الله - من تصدي بعض
الطارئين على مقام العلم والفتوى لبعض الفتاوى الشاذة والآراء المرجوحة:
كعدم وجوب صلاة الجماعة، وإباحة الاختلاط بين الرجال والنساء، وتسويغ قيادة
المرأة للسيارة، ونحوها من الفتاوى المخالفة للنصوص الشرعية وقواعد الدين
الكلية ومقاصده العامة، التي جِماعها جلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد
وتقليلها في العاجل والآجل، ويحدث ذلك كله في ظل حفاوة واسعة من قِبل بعض
وسائل الإعلام المشبوهة التي روَّجت لهذه الآراء وأصحابها، وغيَّبت الرأي
المؤصل للراسخين من العلماء المشهود لهم بالعلم والصلاح؛ لتكون - شعرت أو
لم تشعر- مِعْول هَدْم لهذا الكيان الشامخ الذي قام على تحكيم الشرع
المطهَّر، وأداة بيد المتربصين بهذه الدولة - حكومة وشعبا - الذين ما فتئوا
يوجهون لها سهام الثلب، ويمارسون عليها ما لا يخفى من الضغوط لتتخلى عن
دينها وتنسلخ من هويتها.. وما تقرير اللجنة الأمريكية للحريات الدينية
الأخير - الذي وصف هذه البلاد بأنها "دولة ذات مبعث قلق خاص! بسبب انتهاكها
للحريات حسب زعمهم - عنا ببعيد.
ومع أن الله تعالى قد قيَّض - بمنه وكرمه - جمهرة من أهل العلم والفضل؛
فكشفوا زيف هذه الآراء الشاذة وبيَّنوا عوارها بما لا مزيد عليه، إلا أن
مما يُثير الاستغراب والألم غض الطرف من قِبل وزارة الثقافة والإعلام عما
تقوم به الكثير من وسائل الإعلام من الترويج لهذه الآراء الشاذة وتلميع
أصحابها، وتجاهل ردود أهل العلم المعتبرين عليها.
ولا يخفى على ذي لُبّ أن منصب الخلافة في الإسلام، وما يتفرع منه من ولايات
وسلطات، مقصوده الأعظم: (خلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به)
]الأحكام السلطانية للماوردي، ص 3 [، كما أن من أعظم واجبات الخليفة في
الإسلام "..حفظ الدين على أصوله المستقرة، وما أجمع عليه سلف الأمة، فإن
نَجَمَ مبتدعٌ أو زاغَ ذو شبهة عنه أَوضَحَ لَهُ الحجةَ وبيَّنَ له الصواب،
وأخذه بما يلزم من الحقوق والحدود؛ ليكون الدين محروسا من خلل، والأمة
ممنوعة من زلل" [الأحكام السلطانية للماوردي ص 22] .
وقد جاءت نصوص النظام الأساسي للحكم مؤكدة لما سبق؛ حيث تضمنت ديباجة هذا
النظام تحت عنوان: (مبادئ الدولة) ما نصه: "تمثل الدعوة الإصلاحية التي
قامت عليها الدولة السعودية الركيزة التي اعتمد عليها الحكم فيها، وتقوم
تلك الدعوة على أساس إقامة شرائع الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، وتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، وإصلاح العقيدة وتنقيتها من
البدع، وهي بذلك تستمد مبادئها من المبادئ الإسلامية الصحيحة التي كانت
سائدة في صدر الإسلام".
كما جاء في المادة الثالثة والعشرين ما نصه: "تحمي الدولة عقيدة الإسلام..
وتطبق شريعته.. وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.. وتقوم بواجب الدعوة إلى
الله".
وجاء في المادة الثانية عشرة: "تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولةُ كلَّ ما يؤدي إلى الفرقة والفتنة والانقسام".