للحديث النَّبوي مع القرآن الكريم وظيفتان رئيستان:
الأولى: هي الإعلام ببعض التَّشريعات التي لم يرد النَّص عليها في القرآن، والتي يتمُّ بها التَّشريع، ويتكاملُ بها الإسلام.
والثانية: هي تيسيرُ فهم القرآن ببيان آياته، وتوضيح غاياته، وتحديد مفاهيمه، وتفسير أحكامه.
فأمَّا أنَّ للحديث النَّبوي دوره في الإعلام ببعض التَّشريعات، وفى إتمام الرِّسالة الإسلاميَّة؛ فلأن الحديثَ النَّبوي الذي يبلغ به التشريع، أو يستكمل به الدين موحى به من قبل الله - عزَّ وجل - ولهذا قال تعالى عمَّا يتحدث به النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - في هذا المجال: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النَّجم: 3، 4].كما قال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((ألاَ إنِّي أوتيت الكتاب ومثله معه))؛ رواه أبو داود، والتِّرمذي بإسناد حسن، والمماثل للقرآن هو السُّنة التي أوحى بها الله، وبلَّغها لنا صلَّى الله عليه وسَلَّم بحديثه القولي، وتطبيقه العملي، وسُلُوكه الرائد، وهي المُشار إليها بالحكمة فى قوله - تعالى -: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ} [البقرة: 231].
ومماثلة السنة للقرآن في أمرين:
الأول: كونها وحيًا كالقرآن.
والثاني: كونها أمرًا واجب الاتِّباع كالقرآن.
وحين يحدِّث النَّبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - بتشريع، أيْ: بتحليلٍ أو تحريم أو إباحة مثلاً لأمرٍ لم يرد في القرآن الكريم، فُهِمَ حينئذ عمَّن جاء التَّشريع، وهو الله - عزَّ وجلَّ - لأنَّ النَّبي مُبلغ وليس مشرعًا؛ إذ التشريع مقتضى الألوهيَّة والرُّبوبيَّة؛ فالمشرع هو الله وحده.
ولقد قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]، وبهذا أو ذاك أبان سبحانه أنَّ المُشرع في الأصول والعقائد، وفي الفُرُوع والأحكام، إنَّما هو الله وحده؛ إذًا فالوظيفة الأساسيَّة الأولى للرسول إنَّما هي البلاغ، والإعلام بالأحكام والتَّشريعات عن الله - عزَّ وجل - وهذا أمر يتجلَّى حتى في حال حُكمِه - عليه السلام - بين الناس.
إنَّه لا يحكم برأيه الشخصي، إنَّما يحكمُ بما أنزل الله عليه، وبِما يُلهمه الله إياه؛ وذلك ما ينبئ عنه قوله - تعالى -: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49]، وقوله - تعالى -: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105].
أمَّا الوظيفة الأساسيَّة الثانية للرسول - صلَّى الله عليه وسَلَّم - هي البيان والتَّفسير للقرآن الكريم؛ فذلك ما يُنبئ عنه قوله - تعالى -: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]؛ حتَّى لا تُؤخذ الآيات القرآنية مأخذَ الكلام البشري فيما يتعلَّق بتحديد المُراد منها، وتفصيل الحُكم فيها بعد أن تكفَّل الله ببيان وحيه، بقوله - سبحانه -:{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19].
وحقًّا لقد أُنزل القُرآن بلسان عربي مبين، بيد أنَّه لا يكفي لبيان سُوره وآياته أنْ يكون المرء مُطَّلعًا على عُلُوم اللُّغة، فاقهًا لأسرارها؛ فقد يكون للكلمة معنى مُحدد في اللُّغة، لكنَّ مراد الله بها غير ما يتبادر إلى الذِّهن بحَسَب اللغة.
وقد يكون معنى الكلمة مُتعلِّقًا بأمر غيبي: كسدرة المُنتهى، والكوثر، وعرض آل فرعون على النَّار غُدوًّا وعَشيًّا.
وقد يكون الأمر في بعض الآيات مُحتملاً لعدة احتمالات، غير أنَّ احتمالاً واحدًا هو الذي يتعلق به الحُكم في الآية، فأنَّى لبشر أنْ يعين هذا الاحتمال، أو يحكم بأنَّ هذا هو المراد ولا شيء سواه، مهما كان تمكُّنه في اللُّغة، أو اقتداره على فهم أساليبه؟!
هذا فضلاً عمَّا يتعلق ببيان القُرآن في الأحكام التشريعيَّة، والأعمال السلوكيَّة، من تفصيل المجمل في مثل الصَّلاة والزَّكاة والحج، وتقييد المُطلق في مثل حدِّ السارق، وتخصيص العام في مثل قوله – تعالى -: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]، مما لا يتسنَّى للاجتهاد البشري - مهما كان - أنْ يصول فيه أو يجول.
الأدلة على ذلك:
ويَحسن بنا أن نتدارس مجموعتين من الأحاديث النَّبوية: أولاهما تتعلق بتشريع أمور لم يرد النَّص عليها في القُرآن الكريم، وثانيتهما تتعلق ببيان أمور يتوقَّف البيان فيها على إعلامٍ من الله عز وجل.
المجموعة الأولى: من صحيح مسلم عن تشريع الرَّسول لأُمُور لم ترد في القرآن
1- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((لا يجمع بين المرأة وعمَّتها، ولا بين المرأة وخالتها))، وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((لا تنكح العمَّة على بنت الأخ، ولا ابنة الأخت على الخالة)).
2- عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((لا يَنْكِح المُحرِم، ولا يُنكِح، ولا يَخطب)).
3- عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل للمؤمن أن يَبْتاع على بيع أخيه، ولا يَخطُب على خِطبة أخيه حتَّى يذر)).
4- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كنت عند النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - فأتاه رجل فأخبره أنَّه تزوج امرأة من الأنصار؛ فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((أنَظَرت إليها؟))؛ قال: لا، قال: ((فاذْهب فانظر إليها، فإنَّ في أعين الأنصار شيئًا)).
5- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - قال: ((إذا أفلس الرجلُ، فوجد الرجلُ عنده سلعتَه بعينها فهو أحقُّ بها)).
فماذا تُعطينا هذه الأحاديث من تشريعات وأحكام؟ إنَّها تعطينا الأحكام التَّشريعية التالية:
1- تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، أو بين المرأة وخالتها في عصمة واحدة، أو كما استنبط الفُقهاء وقالوا: بين كلِّ اثنتين لو قدَّرْتَ إحداهما ذكرًا والأخرى أنثى لم يَجُز.
2- على المحرم بحج أو عمرة أن يعتبر نفسه في عبادة، يَحرُم عليه أن يأتي بما يُنافيها، وعقد النِّكاح، وخِطبة المرأة من الأمور التي تتنافى مع الحج والعمرة، زمن الإحرام بهما، ومن هُنا نهى عنهما النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وسواء أكان عقد النِّكاح من المُحرم نفسه، أم كان منه لغيره فكلاهما غيرُ جائز وقتئذ.
3- إذا اتَّفق اثنان على إتْمام صفقة تِجارية بينهما، فلا يحل لثالث أنْ يزيد في الثَّمن؛ إغراء للبائع حتَّى يبطل اتفاقه مع الأول.
وكذلك إذا خطب خاطب فتاة، ومال إليه آلُها، ووافقت ووافقوا، لا يحلُّ لمسلم أن يأتي أهلَ المرأة ليخطب فتاتهم على خِطبتها لأخيه المسلم، ذاكرًا لهم من المزايا والإغراءات ما يَجعلهم يَصْدُفون عن الأول؛ ليُتِمُّوا زواجها به هو.
وذلك لأنَّ البيع على البيع، والخِطبة على الخطبة، يُوغر الصدور بالعداوة والبغضاء، يُوري زناد الصِّراع بين أفراد المجتمع، أولئك الذين تجمع بينهم أُخُوة الإسلام ومودته؛ كما تجمع بينهم مُثُله ومبادئه التي تفرض على كلٍّ منهم أن يعامل النَّاس بما يحب أن يعاملوه، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، وأن يكره لهم ما يكره لها.
4- تجويز رؤية المرأة التي أوقع الله في قلب المرء خِطبتها؛ وذلك لأن الزَّواج اتفاق أبدي، فحتَّى يكون على بيِّنة من تلك التي يُريد أنْ يقترن بها، أباح النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - له أن يراها.
5- إذا اشترى رجلٌ سلعة من آخر على أنْ يُؤدي له ثَمنها إذا باعها فلم يبعْها وأفلس، وطالبه البائع بثمن السِّلعة فلم يستطع المُشتري دفع الثَّمن غيْر أنَّ البائع وجد سلعته بعينها عند المُشتري، حينئذ يكون البائع أحقَّ بها؛ لأنَّه صاحبها.
وهذه الأحكام التشريعيَّة الخمسة لم ترد في القُرآن الكريم، وإنَّما وردت أحكام موضوعاتها وتشريعات أصولها؛ فقد ورد في سورة النِّساء حديث تفصيليٌّ عن المُحرمات على المرء في الزَّواج من النَّسب ومن الرَّضاع، كما جاء تحريم الجمع بين الأختين... إلخ.
بيدَ أن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها لم يَردْ به نصٌّ قرآني، إلا أن السنة أكملت موضوع تحريم المحرَّمات، وقامت هنا بدور رئيس في إتْمام الرسالة الإسلاميَّة فيما يتعلق بتنظيم أمر الزَّواج.
وقل مثل ذلك فيما يتعلَّق بنكاح المُحرم وخطبته؛ ففي سورة البقرة عند قوله – تعالى -: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] أحكام كثيرة عن الحَجِّ والعمرة، لكنَّها لم تستوعب، وتَرَكت هذه المهمة للسنة النبوية، ومن ذلك هذا المثال الذي مثَّلنا به من نكاح المحرم وخطبته.
وفي القرآن حديث عن المبادئ العامة التي تتعلق بالبيع والشِّراء، وبعض الأحكام الخاصة بالتِّجارة كقوله – تعالى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وقوله – سبحانه -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء: 29]، وقوله – سبحانه -: {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الشعراء: 181، 182]، وغير ذلك.
بيد أنَّ القُرآن لم يتحدَّث مثلاً عن تحريم البيع على البيع، ولا عن أحكام التَّفليس، كما لم يتحدَّث عن كثير من الأحكام المُتعلقة بالبيع والشِّراء، ومع ذلك لم يتركِ الله الأمَّة دون أن يكمل لها المنهج الإسلامي في الاقتصاد وما يرتبط به، وذلك في السنة النَّبوية التي تصدر مع القرآن من نبع واحد، ومشكاة واحدة هي مشكاة الوحي الإلهي.
إنَّ روعة الإسلام تكمن في أن كلََّّ موضوع فيه موضوع متكامل؛ وذلك من خلال القرآن والسنة معًا.
لَئنْ قَصَد القُرآن إلى التَّيسير على الأمَّة، والإجمال في أكثر القضايا التي تعرضُ لها - فلقد كان من مَهام السنة النَّبوية أن تستقرئ الجزئيات الباقية في عناصر الموضوع المعيَّن؛ لتدلَّ الناس على حُكم الله فيها، وبذلك يكون المنهج الإسلامي في الموضوع الواحد قد استوعب ما يصلح شأن الأفراد والجماعات دون أن تندَّ عنه جزئية أو يفوته عنصر.
ثم إنَّ المنهج الإسلامي لم يُعنَ بموضوع إنسانِيٍّ دون موضوع، ولم يلتفت إلى جانب ليذر بقيَّة الجوانب؛ إنَّ الإنسان في المنظور الإسلامي مادة وروح، عقل وجسد، فكر ووجدان، وقد جاء المنهج الإسلامي الأقوم ملبِّيًا حاجة الإنسان في جوانبه هذه جميعًا، مع مراعاة الاتزان والاتساق فيما بينهما؛ حيثُ لا يطْغَى جانب فيها على جانب آخر، ومن هنا تناول موضوع العقيدة كما تناول موضوع الشريعة، وتناول موضوع تنمية الجسد كما تناول موضوع تنمية الروح، وتناول موضوع العقل كما تناول موضوع الوجدان، وشملت الهداية الإسلاميَّة للإنسان ما يتعلق بالأخلاق والعلاقات السياسيَّة، والاقتصادية والاجتماعيَّة والدولية، إلى جانب ما يتعلق بالعقيدة والعبادة.
وكان دور السنة في هذه الجوانب جميعًا هو دور المستكمل للمنهج، المستوعب للجزئيَّات الذي يُتمِّم مع القرآن الإسلام الذي ارتضاه الله للإنسانيَّة دينًا ومنهجًا.
كما كان للسنة النَّبوية دور آخر يُمكن إجماله في بيان القرآن وتفسيره، ولنوافِك الآن بالمجموعة الحديثيَّة الثانية التي تُوضح لك هذه النُّقطة؛ لترى إلى أيِّ مدى نتوقف في فهم القرآن على الحديث النَّبوي.
المجموعة الثانية من صحيح البخاري: أحاديث يتوقف تفسير القرآن على العلم بها
1- عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - قال: ((لا تقومُ الساعة حتَّى تطلع الشَّمس من مغربها، فإذا رآها النَّاس آمن من عليها، فذاك حين لا ينفع نفسًا إيمانُها لم تكن آمنت من قبل))، وفي رواية: ((لا تقومُ السَّاعة حتى تطلعَ الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفعُ نفسًا إيمانُها))؛ ثُم قرأ الآية: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158].
2- عن أبي سعيد بن المعلى: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - قال: ((الحمد لله رب العالمين: هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)).
3- عن عبد الله بن عمر: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - قال: ((مِفتاح الغيب خمس: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34].
ومن صحيح مسلم:
4- عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة - رضي الله عنهما - عن النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - قال: ((يُنادي منادٍ: إنَّ لكم أن تصِحُّوا فلا تسقموا أبدًا، وإنَّ لكم أن تَحْيَوا فلا تَموتوا أبدًا، وإنَّ لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإنَّ لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا؛ فذلك قولُه - عزَّ وجل -: {وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43])).
كيف كان يُمكن للنبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - فضلاً عن أيِّ بشر أنْ يُحيط به لو لم يأتِ الخبر به عن الله - عز وجل؟ كيف يُمكن لنا أن نحدد أنَّ المراد ببعض آيات الله في قوله - تعالى -: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: 158]، هو طلوع الشمس، وليس أي آية أخرى من آيات الله - عزَّ وجلَّ - تلك الآية التي إذا ظهرت أوصد باب التَّوبة، فلا تُقبل توبة من لم يَتُب من قبل، ولا إيمان من لم يُؤمن من قبل.
كيف يتسَنَّى العلم بذلك إلا أن يكون عن الله - عزَّ وجل - يوحيه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيبلغه لنا النبي بكل أمانة وصدق؟
وآية سورة الحجر: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87]، مَنِ الذي يُحدد مُراد الله منها سواه سبحانه؟ ومن الذي يُخبرنا بهذا المُراد سوى من أوحى الله إليه بيانه؟
كذلك ما يتعلَّق بالغيب وبالجنَّة وما أعد الله فيها للطائعين، وبالنار وما أعد فيها للكافرين، ولا سبيل إلى العلم بشيء منه إلا عن طريق الوحي، يبلغه مثل هذا الحديث الذي بيَّن فيه النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - ما بيَّن عن هذا الآية الكريمة: {وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43].
تلك بعض الشواهد والمثل عن دور السُّنة في إكمال التَّشريع الإلهي، وإتْمام الرِّسالة الإسلاميَّة، وبيان القرآن وتفسيره.
ومن أراد أن يستزيد فليتصفح كُتب السُّنة النبوية، وليدرسْها دراسة موضوعيَّة مع القرآن الكريم؛ فسيقف على الكثير مما يبهره ويعجبه، سيعرف أكثر وأكثر: لماذا أوْلَى الله السُّنة النبوية من المنزلة والمكانة ما لم يُوله لأيِّ كلام آخر؟ وسيعرف كذلك: أنَّه لا غناء عن السُّنة مع القرآن الكريم لكلِّ من يُريد أن يتعرف على الإسلام، ويطبق مَنهجه؛ ليعزَّ به في الدنيا ويسعد به في الآخرة.