موضوع: موقف المسلم في الفتن.. السبت مارس 26, 2011 1:09 pm
الحمد لله رب العالمين، الذي جعل الحياة بلاءً ومحنة للثقلين، وفضل من صبر وشكر على من أعرض وكفر، والصلاة والسلام على نبينا محمد خير الصابرين، وأفضل الشاكرين، وأعظم الذاكرين، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فقد اقتضت حكمة الله –تعالى- أن يوجد الخير والشر في الحياة الدنيا، وأن توجد الفتن التي تمر بالناس جميعاً ولا يسلم منها أحد، صغيرة كانت أم كبيرة، فكان وجود الفتن بإرادة من الله، وحكمة عظيمة.. عرفنا بعض تلك الحكم، وخفي علينا أكثرها، وصدق الله العظيم: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (35) سورة الأنبياء.
والفتن عديدة ومتنوعة: فمنها فتنة الرجل في أهله وماله، ولهذا يقول الله:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (15) سورة التغابن.
لأن الإنسان كثيراً ما ينشغل عن الدين بالأهل والمال، ولهذا لما تخلف الأعراب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نزلت فيهم {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} (11) سورة الفتح، فهم يشغلون العبد عن طاعة الله بما فيها الخروج للجهاد في سبيل الله –تعالى-.. والله ينظر الصادق من الكاذب فيفتن الناس بهذه الأموال والأولاد؛ ليعلم من يطيع الله عند الشدائد، ممن يحب الركون إلى المال..
أيها المسلمون:
ومن الفتن فتنة المعاصي والشهوات المحرمة: فمن حكمة الله في الكون أن وجدت هذه الشهوات ووجدت دواعيها ، والإنسان خلق وله غرائز يميل بها إلى الشهوات، إلا أن الله من رحمته قد جعل لكل شهوة ولكل غريزة من الحلال ما يمتنع بها الإنسان عن فعل الحرام ، فمن مال إلى الحرام بعد وجود الحلال فقد عصى وأذنب، فوجود هذه الأمور فتنة وامتحان للناس ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه.
وتطلق الفتن على الشدائد والمحن التي تصيب الإنسان، وكذا على تقلب الأمور واختلال الموازين، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي كافراً ويصبح مؤمناً، يبيع دينه بعرض من الدنيا)) رواه مسلم. ومنها: الافتراق والاختلاف بين المسلمين، وكثرة القتل، وهو الهرج كما في الحديث، وهناك أنواع كثيرة من الفتن...
فما موقف المسلم من هذه الفتن ؟!
عباد الله : لا شك أن الإسلام قد أرشد المسلم إلى أمور كثيرة يجتنب بها الوقوع في الفتن. 1- منها: التعوذ من الفتن ما ظهر منها وما بطن: ودعاء الله –تعالى- أن يجنبنا الفتن، وهذا يعد علاجاً وقائياً للفتنة قبل حصولها، فالمسلم ينبغي عليه أن يكثر الدعاء لتجنيبه الفتن، ويدعو بهذا الدعاء النبوي الكريم: ((اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني وتتوب علي، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون)) رواه الترمذي وصححه الألباني.. وأرشد الرسول أمته إلى الالتجاء إلى الله -تعالى- من الفتن، فقال: (( تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن)) رواه مسلم(2867).
2- ومن مواقف المسلم العظيمة قبل الفتن وأثناءها: تحقيق التوحيد الخالص لله، واعتقاد أن كل ما يصيب الإنسان من فتنة وبلاء إنما هو بقدر الله وقضائه، قال –تعالى-:{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (11) سورة التغابن.
3- الوحدة والائتلاف وترك التنازع والاختلاف، والاعتصام بالكتاب والسنة؛ لأن ذلك مما يدفع عن العبد كثيراً من الفتن التي تصيبه، فبالوحدة تقوى الشوكة، ويعز الدين، ويذل الكفر، يقول-تعالى-: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (103) سورة آل عمران
وقال-صلى الله عليه وسلم-( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يَرِدا علي الحوض)) حسنه الألباني. 4- ومن الأمور التي يدفع بها المسلم الفتن: الحرص على العبادة أيام الفتن، وقد بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- فضل العبادة أيام الهرج والقتل واختلاف الأمور، فقال: (( العبادة في الهرج كهجرة إليَّ)) رواه مسلم ( 2948)
هكذا فليكن المسلم عند الشدائد.. قوي الصلة بالله..
5- ومن الوسائل التي يدفع بها المسلم الفتن : لزوم التوبة والاستغفار والإكثار من ذكر الله، يقول الله: {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (43) سورة الأنعام
قال علي -رضي الله عنه-: ( ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة).
6- ومما ينبغي على المسلم تجاه الفتن: العلم الشرعي المبني على الكتاب والسنة، فإن العلم نور يضيء طريق الظلمات والفتن.. وبالعكس فالجهل ظلام حالك يقود الإنسان إلى الهاوية -والعياذ بالله-.. يقول الله:{فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (122) سورة التوبة، ولما كان من علامات الساعة رفع العلم وظهور الجهل، كان لزاماً على كل عاقل أن يسلك طريق طلب العلم،كما قال -صلى الله عليه وسلم- إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ) رواه البخاري ومسلم.
7- ومن أعظم الوسائل لدفع الفتن قبل وأثناء حصولها: اغتنام الفرص والنفحات الإلهية، قبل انشغال الإنسان أو انقطاعه عن الحياة والرحيل إلى القبر، يقول الرسول-صلى الله عليه وسلم- نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) رواه البخاري، وقال -صلى الله عليه وسلم- أيضاً: ( اغتنم خمساً قبل خمس : حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك) رواه الحاكم والبيهقي.
فكل من هذه الأمور- الحياة والصحة والفراغ والشباب- نعمة من الله –تعالى- فإذا لم يوظفها الإنسان فيما ينفعه فإنه يخشى عليه من فواتها، وفواتها يكون بضدها، وأضدادها فتنة ومحنة على العبد.. وقد قيل:
إن الشباب والفراغ والجدة * مفسدة للمرء أي مفسدة
ولقد حث الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمته على المبادرة والمسارعة إلى الخيرات قبل فوات الأوان، وما دام في النفس نشاط وحرص على الخير فقال:(( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ..)) الحديث رواه مسلم، وقال –أيضاً-: ((بادروا بالأعمال خصالاً ستاً: إمرة السفهاء، وكثرة الشُّرط، وقطيعة الرحم، وبيع الحكم، واستخفافاً بالدم، ونشأً يتخذون القرآن مزامير، يقدمون الرجل ليس بأفقههم ولا أعلمهم؛ ما يقدمونه إلا ليغنيهم)) صحيح، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
8- ومن الأمور التي يعتصم بها الإنسان من الفتن: لزوم جماعة المسلمين وأئمتهم الذين يتبعون كتاب ربهم وسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- من غير غلو ولا تمييع، فعن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه- قال: كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشرِّ مخافة أن يدركني، فقلت : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟! قال: ((نعم)) قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: ((نعم، دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)) قلت :يا رسول الله ،صفهم لنا، فقال: (( هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)) قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟! قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)) قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ! قال: ((فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضَّ بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) رواه البخاري ومسلم.
عباد الله: ومن الأمور التي يواجه بها المسلم الفتن:
9- الصبر والاحتمال حتى يأتي الفرج أو الموت، قال الله:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} سورة البقرة (155-157) . وليتذكر المسلم أجر الصبر والاحتساب لله –تعالى-:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (10) سورة الزمر.. وكم من بلية وفتنة فرجت مع الصبر ومكابدة الأهوال!! ولهذا يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس: ((واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً)) يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (وجدنا خير عيشنا بالصبر) وقال علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-: (إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له) وقال الحسن البصري: (الصبر كنز من كنوز الجنة، لا يعطيه الله إلا لمن تكرم عليه) فالمؤمن إذا أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، كما جاء في الحديث.
والصبر في هذا المقام يعني: مدافعة الفتن والصبر على تلك المدافعة والممانعة، فيلزم العبد نفسه على الطاعة، ويجتنب المحرمات التي تصده عن الله، بصبر ويقين، حتى يأتي أمر الله وهو على ذلك. وقد قال -صلى الله عليه وسلم في فضل الصبر على الطاعات واجتناب المحرمات-: (( إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيه مثل قبضٍ على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله)) قال الراوي: يا رسول الله، أجر خمسين منهم ؟ قال: ((أجر خمسين منكم)) رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
إخواني : من وسائل دفع الفتن والغربة الحاصلة:
10- استشعار البشرى العظيمة في أن المستقبل للإسلام والعاقبة للمتقين:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } (110) سورة يوسف.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر )) رواه الإمام أحمد وغيره وصححه الألباني.
هكذا فلتكن نفس المؤمن وهمته، ألا ييأس فإن اليأس ذنب عظيم، وليعلم أن الله ناصر أوليائه؛ مهما طال الأمد، إما عاجلاً أو آجلاً .. نسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يعيننا على دفعها قبل حصولها، ورفعها أثناء حصولها، والجزاء التام بعد حصولها، إنه كريم رحيم ... واستغفر الله العظيم.،
الخطبة الثانية:
الحمد لله مغيث المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، ومسبل النعم على الخلق أجمعين، عظم حلمه فستر، وبسط يده بالعطاء فأكثر، نعمه تترى، وفضله لا يحصى، من أناخ بباب كرمه ظفر، وأزال الضر عنه وجبر ما انكسر، إليه وحده ترفع الشكوى، وهو المقصود وحده في السر والنجوى، مجيب الدعوات، وفارج الكربات، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي ابتُلي فصبر، وأُعطي فشكر، وأُلهم فاستغفر، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الناظر بعين بصره وبصيرته في عالم اليوم، وخاصة المسلمين منهم، على مستوى أفرادهم ومجتمعاتهم وجد أنهم يمرون بفتن عظيمة، تنوعت أسبابها واختلفت موضوعاتها، وتعددت مصادرها، في العقول والأنفس، في الأعراض والأموال والأولاد والممتلكات، تتضمن في طياتها تحسين القبيح، وتقبيح الحسن، تعاظم خطرها، وتطاير شررها، ولأجل هذا فقد جاء الشارع الحكيم بالتحذير من غوائلها وشرورها ومدلهماتها، ولقد ذكرت في الخطبة الأولى بعض وسائل دفع الفتن وسأذكر في هذا المقام وسائل وطرق أخرى لدفعها:
11- اجتناب أماكن الفتن: كأماكن اختلاط الرجال بالنساء أو أماكن الفسق والفجور والاعتصام ببيوت الله ومجالس الذكر مع عباد الله:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (28) سورة الكهف.
قال -صلى الله عيه وسلم-: ((إنها ستكون فتن، القاعد فيها خير من الماشي فيها، والماشي فيها خير من الساعي إليها)) رواه البخاري ومسلم.. وقال -صلى الله عيه وسلم-: ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن)) رواه البخاري.
وقد تكلم علماء السلف والخلف في قضية العزلة والخلطة.. أي: هل الأفضل مخالطة الناس أم عزلتهم وتركهم، وأفضل ما قيل في ذلك ما جاءت به الأحاديث: إذا كان في الخلطة خير ودعوة وإصلاح وبلوغ منافع ومآرب فهذا أمر حسن، وإن كان الإنسان بخلطته أهل الفساد يخاف على دينه وعبادته من الذبول والتلاشي مع مرور الأيام نتيجة المخالطة المستمرة .. فالأفضل أن يبتعد عن ذلك المجتمع السيئ إلى مجتمع أفضل، فإن لم يجد فإن قدر على الفرار بدينه فعل للحديث السابق: (( يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم ...)) الحديث.
فالإنسان اليوم يخاف على نفسه من هذه المدنية الزائفة، التي حطمت القيم والمبادئ، وأتتنا بكل بائر ورخيص، في سبيل المتاع الزائل الذي لا يبقى، ووالله إن المسلم ليخشى على نفسه وأهله من هذه المصائب... ولما كانت المدنية مظنة الفساد، بيَّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن مفارقة تلك الأماكن أفضل: (( يتتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر....) الحديث.
عباد الله:
12- ومن مواقف المسلم تجاه الفتن: أن يحذر من النفاق وأهله، خاصة وقت الفتن التي تزداد فيها شوكتهم وتكثر فتنتهم، كما قال -تعالى-:{لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (47) سورة التوبة.
ومنها :
13- الاقتصاد في المعيشة، والبعد عن حياة الترف، حتى ولو لفترات معينة، ومحاولة التعود على الحياة المتواضعة، ولهذا يقول عمر -رضي الله عنه-: ( اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم ) والاقتصاد في حياة المسلم يوفر له وقتاً ومالاً وعمراً مديداً يستغله في الطاعة والقربة.. لأن العبد قد يعيش في رخاء فإذا أصابته فاقة وفقر فقد ينكص أو يرتد على عقبيه -والعياذ بالله- فلهذا كان الاقتصاد في العيش معيناً على مواجهة الفتن..
14- ملازمة العلماء والجلوس معهم، واستشارتهم في كل ما يشكل، وسؤالهم في كل أمر من أمور الدنيا والدين؛ فإنهم العارفون بالله وبدينه، وعندهم الحلول الكثيرة لما يصيب الإنسان من مشاكل وفتن..
هذه الإرشادات والنصائح نوجهها لكل مسلم غيور على دينه وأمته، معتز بمبدئه، وعلى كل مسلم أن يتقي الله –تعالى- في نفسه وأهله وأمته، وألا يقصر في جنب الله، فإن في ذلك تلفه وهلاكه، وعليه أن يتَّبع ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله؛ لينجو مع من نجا ولا يهلك مع من هلك..
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال..
اللهم توفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
هذا وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.